الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ومن لم يثبت الواو احتمل أن يكون جمعًا، وحذفت الواو خطأ، كما حذفت في حالة الوصل لفظًا لأجل التقاء الساكنين.واحتمل أن يكون صال مفردًا حذفت لامه تخفيفًا، وجرى الإعراب في عينه، كما حذف من قوله: {وجنى الجنتين دان} {وله الجوار المنشآت} برفع النون والجوار، وقالوا: ما باليت به بالة، أي بالية من بالى، كعافية من عافى، فحذفت لام باليت وبالية.وقالوا بالة وبال، بحذف اللام فيهما.وقال الزمخشري: وقد وجه نحوًا من الوجهين السابقين وجعلهما أولًا وثالثًا فقال: والثاني أن يكون أصله صائل على القلب، ثم يقال: صال في صائل، كقولهم: شاك في شائك. انتهى.{وما منا} أي أحد، {إلا له مقام معلوم} أي مقام في العبادة والانتهاء إلى أمر الله، مقصور عليه لا يتجاوزه.كما روي: فمنهم راكع لا يقيم ظهره، وساجد لا يرفع رأسه، وهذا قول الملائكة، وهو يقوي قول من جعل الجنة هم الملائكة تبرؤا عن ما نسب إليهم الكفرة من كونهم بنات الله، وأخبروا عن حال عبوديتهم، وعلى أي حالة هم فيها.وفي الحديث: «أن السماء ما فيها موضع إلا وفيه ملك ساجد أو واقف يصلي»، وعن ابن مسعود: «موضع شبر إلا وعليه جبهة ملك أو قدماه» وحذف المبتدإ مع من جيد فصيح، كما مر في قوله: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنون} أي وأن من أهل الكتاب أحد.وقال العرب: منا ظعن ومنا أقام، يريد: منا فريق ظعن ومنا فريق أقام.وقال الزمخشري: وما منا أحد إلا له مقام معلوم، حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه، كقوله: انتهى.وليس هذا من حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، لأن أحدًا المحذوف مبتدأ.وإلا له مقام معلوم خبره، ولأنه لا ينعقد كلام من قوله: وما منا أحد، فقوله: {إلا له مقام معلوم} هو محط الفائدة.وإن تخيل أن {إلا له مقام معلوم} في موضع الصفة، فقد نصوا على أن إلا لا تكون صفة إذا حذف موصوفها، وأنها فارقت غير إذا؛ كانت صفة في ذلك، ليتمكن غيره في الوصف وقلة تمكن إلا فيه، وجعل ذلك كقوله: أنا ابن جلا، أي ابن رجل جلا؛ وبكفي كان، أي رجل كان، وهذا عند النحويين من أقبح الضرورات.{وإنا لنحن الصافون} أي أقدامنا في الصلاة، أو أجنحتنا في الهواء، أو حول العرش داعين للمؤمنين.وقال الزهراوي: قيل إن المسلمين إنما اصطفوا في الصلاة منذ نزلت هذه الآية، ولا يصطف أحد من الملل غير المسلمين.{وإنا لنحن المسبحون} أي المنزهون الله عن ما نسب إليه الكفرة، أو المنزهون بلفظ التسبيح، أو المصلون.وينبغي أن يجعل قوله: {سبحان الله عما يصفون} من كلام الملائكة، فتطرد الجمل وتنساق لقائل واحد، فكأنه قيل: ولقد علمت الملائكة أن ناسبي ذلك لمحضرون للعذاب؛ وقالوا: سبحان الله، فنزهوا عن ذلك واستثنوا من أخلص من عباد الله؛ وقالوا للكفرة: فإنكم وآلهتكم إلى آخره.وكيف نكون مناسبيه، ونحن عبيد بين يديه، لكل منا مقام من الطاعة؟ إلى ما وصفوا به أنفسهم من رتبة العبودية.وقيل: {وما منا إلا له مقام معلوم} هو من قول رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم، أي وما من المرسلين أحد إلا له مقام معلوم يوم القيامة على قدر عمله، من قوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا}.ثم ذكر أعمالهم، وأنهم المصطفون في الصلاة المنزهون الله عن ما يقول أهل الضلال.والضمير في {ليقولون} لكفار قريش، {لو أن عندنا ذكرًا} أي كتابًا من كتب الأولين الذين نزل عليهم التوراة والإنجيل، لأخلصنا العبادة لله، ولم نكذب كما كذبوا.{فكفروا به} أي فجاءهم الذكر الذي كانوا يتمنونه، وهو أشرف الأذكار، لأعجازه من بين الكتب.{فسوف يعلمون} عاقبة كفرهم، وما يحل بهم من الانتقام.وأكدوا قولهم بأن المخففة وباللام كونهم كانوا جادين في ذلك، ثم ظهر منهم التكذيب والنفور البليغ، كقوله: {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} {ولقد سبقت كلمتنا} قرأ الجمهور بالإفراد لما انتظمت في معنى واحد عبر عنها بالإفراد.وقرأ الضحاك: بالجمع، والمراد الموعد بعلوهم على عدوهم في مقامات الحجاج وملاحم القتال في الدنيا، وعلوهم عليهم في الآخرة.وقال الحسن: ما غلب نبي في الحرب، ولا قتل فيها.{فتول عنهم حتى حين} أي إلى مدّة يسيرة، وهي مدّة الكف عن القتال.وعن السدّي: إلى يوم بدر، ورجحه الطبري.وقال قتادة: إلى موتهم.وقال ابن زيد: إلى يوم القيامة.{وأبصرهم} أي انظر إلى عاقبة أمرهم، فسوف يبصرونها وما يحل بهم من العذاب والأسر والقتل، أو سوف يبصرونك وما يتم لك من الظفر بهم والنصر عليهم.وأمره بإبصارهم إشارة إلى الحالة المنتظرة الكائنة لا محالة، وأنها قريبة كأنها بين ناظريه بحيث هو يبصرها، وفي ذلك تسلية وتنفيس عنه عليه السلام.{أفبعذابنا يستعجلون} استفهام توبيخ.{فإذا نزل} هو، أي العذاب، مثل العذاب النازل بهم بعد ما أنذره، فأنكروه بحيث أنذر بهجومه قومه وبعض صناعهم، فلم يلتفتوا إلى إنذراه، ولا أخذوا أهبته، ولا دبروا أمرهم تدبير ينجيهم حتى أناخ بفنائهم، فشن عليهم الغارة، وقطع دابرهم.وكانت عادة مغازيهم أن يغيروا صباحًا، فسميت الغارة صباحًا، وإن وقعت في وقت آخر.وما فصحت هذه الآية، ولا كانت له الروعة التي يحسن بها، ويرونك موردها على نفسك وطبعك إلا لمجيئها على طريقة التمثيل، قاله الزمخشري.وقرأ الجمهور: مبنيًا للفاعل؛ وابن مسعود: مبنيًا للمفعول؛ وساحتهم: هو القائم مقام الفاعل.ونزل ساحة فلان، يستعمل فيما ورد على الإنسان من خير أو شر؛ وسوء الصباح: يستعمل في حلول الغارات والرزايات؛ ومثل قول الصارخ: يا صباحاه؛ وحكم ساء هنا حكم بئس.وقرأ عبد الله: {فبئس}، والمخصوص بالذم محذوف تقديره: فساء صباح المنذرين صباحهم.{وتول عنهم حتى حين} كرر الأمر بالتولي، تأنيسًا له عليه الصلاة والسلام، وتسلية وتأكيد لوقوع الميعاد؛ ولم يقيد أمره بالإبصار، كما قيده في الأول، إما لاكتفائه به في الأول فحذفه اختصارًا، وإما لما في ترك التقييد من جولان الذهن فيما يتعلق به الإبصار منه من صنوف المساءات، والإبصار منهم من صنوف المساءات.وقيل: أريد بالأول عذاب الدنيا، وبالآخرة عذاب الآخرة.وختم تعالى هذه السورة بتنزيهه عن ما يصفه المشركون، وأضاف الرب إلى نبيه تشريفًا له بإضافته وخطابه، ثم إلى العزة، وهي العزة المخلوقة الكائنة للأنبياء والمؤمنين، وكذلك قال الفقهاء من جهة أنها مربوبة.وقال محمد بن سحنون وغيره: من حلف بعزة الله تعالى إلى يريد عزته التي خلقت بين عباده، وهي التي في قوله: {رب العزة} فليست بيمين.وقال الزمخشري: أضيف الرب إلى العزة لاختصاصه بها، كأنه قيل: ذو العزة، كما تقول: صاحب صدق لاختصاصه بالصدق. انتهى.فعلى هذا تنعقد اليمين بعزة الله لأنها صفة من صفاته.قال: ويجوز أن يراد أنه ما من عزة لأحد من الملوك وغيرهم إلا وهو ربها ومالكها، لقوله: {وتعزّ من تشاء} وعن علي، كرم الله وجهه: من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه إذا قام من مجلسه: {سبحان ربك رب العزة} إلى آخر السورة. اهـ.
|